الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (9): {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)}{يأَيُّهَا النبى جاهد الكفار} بالسيف {والمنافقين} بالحجة {واغلظ عَلَيْهِمْ} واستعمل الخشونة على الفريقين فيما تجاهدهم به إذا بلغ الرفق مداه.وعن الحسن أكثر ما كان يصيب الحدود في ذلك الزمان المنافقين فأمر عليه الصلاة والسلام أن يغلظ عليهم في إقامة الحدود، وحكى الطبرسي عن الباقر أنه قرأ جاهد الكفار بالمنافقين وأظن ذلك من كذب الإمامية عاملهم الله تعالى بعدله {لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} أي وسيرون فيها عذابًا غليظًا {وَبِئْسَ المصير} أي جهنم أو مأواهم، والعطف قيل: من عطف القصة على القصة..تفسير الآية رقم (10): {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)}{ضَرَبَ الله مَثَلًا لّلَّذِينَ كَفَرُواْ} ضرب المثل في مثل هذا الموقع عبارة عن إيراد حالة غريبة لتعرف بها حالة أخرى مشاكلة لها في الغرابة أي جعل الله تعالى مثلًا لحال الكفرة حالًا ومآلًا على أن مثلًا مفعول ثان لضرب. واللام متعلقة به، وقوله تعالى: {امرأت نُوحٍ} واسمها قيل: والعة {وامرأت لُوطٍ} واسمها قيل: واهلة، وقيل: والهة، وعن مقاتل اسم امرأة نوح والهة. واسم امرأة لوط والعة مفعوله الأول؛ وأخر عنه ليتصل به ما هو شرح وتفسير لحالهما، ويتضح بذلك حال الكفرة، والمراد ضرب الله تعالى مثلًا لحال أولئك حال {امرأت} إلخ، فقوله تعالى: {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صالحين} بيانًا لحالهما الداعية لهما إلى الخير والصلاح، ولم يقل: تحتهما للتعظيم أي كانتا في عصمة نبيين عظيمي الشأن متمكنتين من تحصيل خير الدنيا والآخرة، وحيازة سعادتهما، وقوله تعالى: {فَخَانَتَاهُمَا} بيان لما صدر عنهما من الخيانة العظيمة مع تحقق ما ينافيها من مرافقة النبي عليه الصلاة والسلام، أما خيانة امرأة نوح عليه السلام فكانت تقول للناس: إنه مجنون، وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل على الضيف رواه جمع وصححه الحاكم عن ابن عباس.وأخرج ابن عدي. والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر عن الضحاك أنه قال: خيانتهما النميمة، وتمامه في رواية: كانتا إذا أوحى الله تعالى بشيء أفشتاه للمشركين، وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال: خيانتهما أنهما كانتا كافرتين مخالفتين، وقيل: كانتا منافقتين، والخيانة. والنفاق قال الراغب: واحد إلا أن الخيانة تقال اعتبارًا بالعهد والأمانة، والنفاق يقال اعتبارًا بالدين ثم يتداخلان، فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر ونقيضها الأمانة، وحمل ما في الآية على هذا، ولا تفسر هاهنا بالفجور لما أخرج غير واحد عن ابن عباس «ما زنت امرأة نبي قط» ورفعه أشرس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الكشاف لا يجوز أن يراد بها الفجور لأنه سمج في الطبع نقيصة عند كل أحد بخلاف الكفر فإن الكفر لا يستسمجونه ويسمونه حقًا.ونقل ابن عطية عن بعض تفسيرها بالكفر. والزنا. وغيره، ولعمري لا يكاد يقول بذلك إلا ابن زنا، فالحق عندي أن عهر الزوجات كعهر الأمهات من المنفرات التي قال السعد: إن الحق منعها في حق الأنبياء عليهم السلام، وما ينسب للشيعة مما يخالف ذلك في حق سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم كذب عليهم فلا تعول عليه وإن كان شائعًا، وفي هذا على ما قيل: تصوير لحال المرأتين المحاكية لحال الكفرة في خيانتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفر والعصيان مع تمكنهم التام من الإيمان والطاعة، وقوله تعالى: {فَلَمْ يُغْنِينَا} إلخ بيان لما أدى إليه خيانتهما أي فلم يغن ذانك العبدان الصالحان والنبيان العظيمان {عَنْهُمَا} بحق الزواج {مِنَ الله} أي من عذابه عز وجل: {شَيْئًا} أي شيئًا من الإغناء، أو شيئًا من العذاب.{وَقِيلَ} لهما عند موتهما. أو يوم القيامة، وعبر بالماضي لتحقق الوقوع {ادخلا النار مَعَ الدخلين} أي مع سائر الداخلين من الكفرة الذي لا وصلة بينهم وبين الأنبياء عليهم السلام.وذكر غير واحد أن المقصود الإشارة إلى أن الكفرة يعاقبون بكفرهم ولا يراعون بما بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من الوصلة، وفيه تعريض لأمهات المؤمنين وتخويف لهنّ بأنه لا يفيدهن إن أتين بما حظر عليهم كونهن تحت نكاح النبي صلى الله عليه وسلم وليس في ذلك ما يدل على أن فيهن كافرة أو منافقة كما زعمه يوسف الأوالي من متأخري الإمامية سبحانك هذا بهتان عظيم.وقرأ مبشر بن عبيد تغنيا بالتاء المثناة من فوق، و{عَنْهُمَا} عليه بتقدير عن نفسهما قال أبو حيان: ولابد من هذا المضاف إلا أن يجعل عن اسمًا كهي في: دع عنك لأنها إن كانت حرفًا كان في ذلك تعدية الفعل الرافع للضمير المتصل إلى ضميره المجرور وهو يجري مجرى الضمير المنصوب وذلك لا يجوز، وفيه بحث..تفسير الآية رقم (11): {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)}{وَضَرَبَ الله مَثَلًا لّلَّذِينَ ءامَنُواْ امرأت فِرْعَوْنَ} أي جعل حالها مثلًا لحال المؤمنين في أن وصلة الكفرة لا تضرهم حيث كانت في الدنيا تحت أعدى أعداء الله عز وجل وهي في أعلى غرف الجنة واسمها آسية بنت مزاحم، وقوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ} ظرف لمحذوف أي وضرب الله مثلًا للذين آمنوا حال امرأة فرعون إذ قالت {رَبّ ابن لِى عِندَكَ} قيل: أي قريبًا من رحمتك لتنزهه سبحانه عن المكان.وجوز في {عِندَكَ} كونه حالًا من ضمير المتكلم وكونه حالًا من قوله تعالى: {بياتا} لتقدمه عليه وكان صفة لو تأخر، وقوله تعالى: {فِى الجنة} بدل أو عطف بيان لقوله تعالى: {عِندَكَ} أو متعلق بقوله تعالى: {ابن} وقدم {عِندَكَ} لنكتة، وهي كما في الفصوص الإشارة إلى قولهم: الجار قبل الدار، وجوز أن يكون المراد بعندك أعلى درجات المقربين لأن ما عند الله تعالى خير، ولأن المراد القرب من العرش، و{عِندَكَ} عنى عند عرشك ومقر عزك وهو على ما قيل: على الاحتمالات في إعرابه ولا يلزم كونه ظرفًا للفعل {وَنَجّنِى مِن فِرْعَوْنَ} أي من نفس فرعون الخبيثة وسلطانه الغشوم {وَعَمَلِهِ} أي وخصوصًا من عمله وهو الكفر وعبادة غير الله تعالى والتعذيب بغير جرم إلى غير ذلك من القبائح؛ والكلام على أسلوب {مولاه وَجِبْرِيلُ} [البقرة: 98]، وجوز أن يكون المراد {نَجّنِى} من عمل فرعون فهو من أسلوب أعجبني زيد وكرمه، والأول أبلغ لدلالته على طلب البعد من نفسه الخبيثة كأنه بجوهره عذاب ودمار يطلب الخلاص منه، ثم طلب النجاة من عمله ثانيًا تنبيهًا على أنه الطامة العظمى، وخص بعضهم عمله بتعذيبه، وعن ابن عباس أنه الجماع، وما تقدم أولى {وَنَجّنِى مِنَ القوم الظالمين} من القبط التابعين له في الظلم قاله مقاتل، وقال الكلبي: من أهل مصر: وكأنه أراد بهم القبط أيضًا، والآية ظاهرة في أنها كانت مؤمنة مصدقة بالبعث، وذكر بعضهم أنها عمة موسى عليه السلام آمنت حين سمعت بتلقف العصا الإفك فعذبها فرعون.وأخرج أبو يعلى. والبيهقي بسند صحيح عن أبي هريرة أن فرعون وتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها فكانت إذا تفرقوا عنها أظلتها الملائكة عليهم السلام فقالت: {رَبّ ابن لِى عِندَكَ بَيْتًا فِي الجنة} فكشف لها عن بيتها في الجنة وهو على ما قيل: من درة، وفي رواية عبد بن حميد عنه أنه وتد لها أربعة أوتاد وأضجعها على ظهرها وجعل على صدرها رحى واستقبل بها عين الشمس فرفعت رأسها إلى السماء فقالت {رَبّ ابن لِى} إلى {الظالمين} ففرج الله تعالى عن بيتها في الجنة فرأته، وقيل: أمر بأن تلقى عليها صخرة عظيمة فدعت الله تعالى فرقى بروحها فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه، وعن الحسن فنجاها الله تعالى أكرم نجاة فرفعها إلى الجنة فهي تأكل وتشرب وتتنعم فيها، وظاهره أنها رفعت بجسدها وهو لا يصح.وفي الآية دليل على أن الاستعاذة بالله تعالى والالتجاء إليه عز وجل ومسألة الخلاص منه تعالى عند المحن والنوازل من سير الصالحين وسنن الأنبياء، وهو في القرآن كثير، وقوله تعالى:.تفسير الآية رقم (12): {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)}{وَمَرْيَمَ ابنة عِمْرَانَ} عطف على {امرأة فِرْعَوْنَ} [التحريم: 11] أي وضرب مثلًا للذين آمنوا حالتها وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء مع كون أكثر قومها كفارًا، وجمع في التمثيل بين من لها زوج ومن لا زوج لها تسلية للأرامل وتطييبًا لقلوبهن على ما قيل، وهو من بدع التفاسير كما في الكشاف، وقرأ السختياني ابنه بسكون الهاء وصلًا أجراه مجرى الوقف {التى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} صانته ومنعته من الرجال؛ وقيل: منعته عن دنس المعصية.والفرج ما بين الرجلين وكني به عن السوءة؛ وكثر حتى صار كالصريح، ومنه ما هنا عند الأكثرين {فَنَفَخْنَا فِيهِ} النافخ رسوله تعالى وهو جبريل عليه السلام فالإسناد مجازي، وقيل: الكلام على حذف مضاف أي فنفنخ رسولنا، وضمير {فِيهِ} للفرج، واشتهر أن جبريل عليه السلام نفخ في جيبها فوصل أثر ذلك إلى الفرج.وروي ذلك عن قتادة، وقال الفراء: ذكر المفسرون أن الفرج جيب درعها وهو محتمل لأن الفرج معناه في اللغة كل فرجة بين الشيئين، وموضع جيب درع المرأة مشقوق فهو فرج، وهذا أبلغ في الثناء عليها لأنها إذا منعت جيب درعها فهي للنفس أمنع، وفي مجمع البيان عن الفراء أن المراد منعت جيب درعها عن جبريل عليه السلام، وكان ذلك على ما قيل: قولها {إِنّى أَعُوذُ بالرحمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} [مريم: 18] وأفاد كلام البعض أن أحصنت فرجها على ما نقل أولًا عن الفراء كناية عن العفة نحو قولهم: هو نقي الجيب طاهر الذيل.وجوز في ضمير {فِيهِ} رجوعه إلى الحمل، وهو عيسى عليه السلام المشعر به الكلام، وقرأ عبد الله فيها كما في الأنبياء، فالضمير لمريم، والإضافة في قوله تعالى: {مِن رُّوحِنَا} للتشريف، والمراد من روح خلقناه بلا توسط أصل، وقيل: لأدنى ملابسة وليس بذاك {وَصَدَّقَتْ} آمنت {بكلمات رَبَّهَا} بصحفه عز وجل المنزلة على إدريس عليه السلام. وغيره، وسماها سبحانه كلمات لقصرها {وَكُتُبِهِ} بجميع كتبه والمراد بها ما عدا الصحف مما فيه طول، أو التوراة. والإنجيل. والزبور، وعد المصحف من ذلك وإيمانها به ولم يكن منزلًا بعد كالإيمان بالنبي الموعود عليه الصلاة والسلام فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك وإيمانها به ولم يكن منزلًا بعد كالإيمان بالنبي الموعود عليه الصلاة والسلام فقد كان صلى الله عليه وسلم مذكورًا بكتابه في الكتب الثلاث، وتفسير الكلمات والكتب بذلك هو ما اختاره جمع، وجوز غير واحد أن يراد بالكلمات ما أوحاه الله تعالى إلى أنبيائه عليهم السلام، وبالكتب ما عرف فيها مما يشمل الصحف وغيرها، وقيل: جميع ما كتب مما يشمل اللوح وغيره، وأن يراد بالكلمات وعده تعالى ووعيده أو ذلك وأمره عز وجل ونهيه سبحانه، وبالكتب أحد الأوجه السابقة، وإرادة كلامه تعالى القديم القائم بذاته سبحانه من الكلمات بعيد جدًا، وقرأ يعقوب.وأبو مجلز. وقتادة. وعصمة عن عاصم {صَدَّقْتَ} بالتخفيف، ويرجع إلى معنى المشدد؛ وفي البحر أي كانت صادقة بما أخبرت به من أمر عيسى وما أظهره الله تعالى لها من الكرامات، وفيه قصور لا يخفى.وقرأ الحسن. ومجاهد. والجحدري بكلمة على التوحيد فاحتمل أن يكون اسم جنس، وأن يكون عبارة عن كلمة التوحيد، وأن يكون عبارة عن عيسى عليه السلام فقد أطلق عليه عليه السلام أنه كلمة الله ألقاها إلى مريم، وقد مر شرح ذلك، وقرأ غير واحد من السبعة وكتابه على الافراد فاحتمل أن يراد به الجنس وأن يراد به الإنجيل لاسيما إن فسرت الكلمة بعيسى عليه السلام، وقرأ أبو رجاء {وَكُتُبِهِ} بسكون التاء على ما قال ابن عطية، وبه. وبفتح الكاف على أنه مصدر أقيم مقام الاسم على ما قال صاحب اللوامح.{وَكَانَتْ مِنَ القانتين} أي من عداد المواظبين على الطاعة فمن للتبعيض، والتذكير للتغليب، والإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال حتى عدت من جملتهم فهو أبلغ من قولنا: وكانت من القانتات، أو قانتة، وقيل: {مِنْ} لابتداء الغاية، والمراد كانت من نسل القانتين لأنها من أعقاب هارون أخي موسى عليهما السلام، ومدحها بذلك لما أن الغالب أن الفرع تابع لأصله {والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ والذى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا} [الأعراف: 58] وهي على ما في بعض الأخبار سيدة النساء ومن أكملهن، روى أحمد في مسنده: سيدة نساء أهل الجنة مريم. ثم فاطمة. ثم خديجة. ثم آسية. ثم عائشة، وفي الصحيح كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون. ومريم ابنة عمران. وخديجة بنت خويلد. وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وخص الثريد وهو خبز يجعل في مرق وعليه لحم كما قيل:لا اللحم فقط كما قيل لأن العرب لا يؤثرون عليه شيئًا حتى سموه بحبوحة الجنة، والسر فيه على ما قال الطيبي: إن الثريد مع اللحم جامع بين الغذاء واللذة والقوة وسهولة التناول وقلة المؤنة في المضغ وسرعة المرور في المريء فضرب به مثلًا ليؤذن بأنها رضي الله تعالى عنها أعطيت مع حسن الخلق حلاوة المنطق وفصاحة اللهجة وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل والتحبب للبعل فهي تصلح للبعل والتحدث والاستئناس بها والإصغاء إليها، وحسبك أنها عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يعقل غيرها من النساء وروت ما لم يرو مثلها من الرجال، وعلى مزيد فضلها في هذه السورة الكريمة من عتابها وعتاب صاحبتها حفصة رضي الله تعالى عنهما ما لا يخفى، ثم لا يخفى أن فاطمة رضي الله تعالى عنها من حيث البضعية لا يعدلها في الفضل أحد، وتمام الكلام في ذلك في محله.وجاء في بعض الآثار أن مريم. وآسية زوجا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، أخرج الطبراني عن سعد بن جنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران وامرأة فرعون وأخت موسى عليه السلام» وزعم نبوتها كزعم نبوة غيرهما من النساء كهاجر. وسارة غير صحيح لاشتراط الذكورة في النبوة على الصحيح خلافًا للأشعري، وقد نبه على هذا الزعم العلامة ابن قاسم في الآيات البينات وهو غريب فليحفظ، والله تعالى أعلم.
|